recent
أخبار ساخنة

## "باري ليندون": تحفة ستانلي كوبريك الخالدة تعود لتكتشف مجدها بعد نصف قرن

 

## "باري ليندون": تحفة ستانلي كوبريك الخالدة تعود لتكتشف مجدها بعد نصف قرن

 

بعد مرور خمسة عقود على إصداره الأول، ينهض فيلم "باري ليندون" للمخرج الأسطوري ستانلي كوبريك من رماد النقد التجاري الأولي ليتألق من جديد كتحفة سينمائية ناضجة، متجاوزًا الفشل الذي واجهه عند طرحه ليصبح رمزًا للجمال البصري العميق والتأمل الفلسفي في طبيعة الإنسان والزمن. هذا العمل الملحمي، الذي وُصف سابقًا بالبطيء والخالي من الحيوية، يُعاد اكتشافه اليوم برؤية جديدة، تؤكد مكانته كواحد من أعظم الأفلام في تاريخ السينما.

بعد مرور خمسة عقود على إصداره الأول، ينهض فيلم "باري ليندون" للمخرج الأسطوري ستانلي كوبريك من رماد النقد التجاري الأولي ليتألق من جديد كتحفة سينمائية ناضجة، متجاوزًا الفشل الذي واجهه عند طرحه ليصبح رمزًا للجمال البصري العميق والتأمل الفلسفي في طبيعة الإنسان والزمن. هذا العمل الملحمي، الذي وُصف سابقًا بالبطيء والخالي من الحيوية، يُعاد اكتشافه اليوم برؤية جديدة، تؤكد مكانته كواحد من أعظم الأفلام في تاريخ السينما.
## "باري ليندون": تحفة ستانلي كوبريك الخالدة تعود لتكتشف مجدها بعد نصف قرن


## "باري ليندون": تحفة ستانلي كوبريك الخالدة تعود لتكتشف مجدها بعد نصف قرن


### الإخفاق الأول ومسار كوبريك الاستثنائي

 

في ديسمبر (كانون الأول)1975، شهدت دور السينما إطلاق "باري ليندون"، الذي بدا حينها زلة كبيرة في مسيرة ستانلي كوبريك الفنية. هذا المخرج العظيم، المعروف بعبقريته في أعمال مثل "2001: أوديسا الفضاء" و"البرتقالة الآلية"، واجه إخفاقًا وحيدًا في سجل أفلامه الخالدة.

  •  وصف النقاد الفيلم بأنه "كتاب عديم المحتوى يوضع على طاولة القهوة للزينة"، أو "عرض صور
  •  أنيق"، أو "جولة لا تنتهي في متحف عتيق تفوح منه رائحة العفن". تزامن صدور الفيلم مع فترة
  •  أعياد الميلاد، ورغم الإقبال القصير، سُحب بهدوء من العرض لينسى مع الزمن.

 

لم يكن هذا الاستقبال هو ما توقعه كوبريك، الذي كان يطمح في الأصل إلى إخراج فيلم سيرة ذاتية عن نابليون. لكن تعثر هذا المشروع دفعه إلى "باري ليندون" كبديل يضمن ألا يذهب بحثه الدقيق سدى. ربما كان هذا الشعور بالمشروع البديل قد أثر على تقبل كوبريك نفسه للفيلم في بداياته، لكن الزمن أثبت أن هذه "الجائزة الترضية" كانت في الحقيقة جوهرة تنتظر من يكتشفها.

 

### عودة المجد نسخة مرممة ورؤية معاصرة

 

اليوم، يعود "باري ليندون" ليحتفل بعيد ميلاده الخمسين بنسخة جديدة مرممة بعناية فائقة، والمفاجأة أنه يبدو رائعًا بكل المقاييس. السمعة التي رافقته سابقًا أصبحت مجرد دعابة ساخرة. قد يكون من السهل إلقاء اللوم على نقاد ذلك الزمن لتوجيههم الجمهور إلى فهم خاطئ، لكن الحقيقة أن بعض الأفلام، شأنها شأن بعض التجارب، تحتاج إلى النضج مع مرور الزمن. فما بدا لبعض المشاهدين الشباب في السبعينيات مجرد عرض بطيء، تحول اليوم إلى "خمرة معتقة لأعوام طويلة، احتفظ بها لتكون هدية ثمينة تنتظر مستقبلاً مشرقًا".

 

إن إعادة إصدار الفيلم لمناسبة مرور 50 عامًا على وصوله إلى الشاشة، تتيح لنا رؤية عمل ينسج عصر نابليون مع ماض قريب نسبيًا، ويتحدانا، وإن بغير طريقة صريحة، أن نكتشف مكان التحام الأزمنة.


 

### الجمال البصري المتقن وسرد القصة الفريد

 

الفيلم، المأخوذ بتصرف عن رواية ويليام ثاكري، يتتبع مغامرات محتال إيرلندي يُدعى ريدموند باري في أرجاء أوروبا خلال القرن الثامن عشر، على هامش "حرب الأعوام السبعة"، وصولاً إلى قصر ريفي مترف حيث تجري قص جناحيه وإعادته لحجمه الطبيعي. 

  1. تتجاوز مدة العمل الثلاث ساعات بقليل، لكن إيقاعه لا يمكن وصفه بالبطيء بقدر ما هو مدروس بدقة
  2.  متناهية. إنه أشبه برقصة "فالس" متقنة لا تترك شيئًا للصدفة، حيث يمتلك كوبريك الثقة الكاملة في
  3.  ترك مشهد حاسم يغلي على مهل، أو منح لقطة ساحرة الوقت الكافي لتستقر وتتنفس.

 

حتى أكثر منتقدي الفيلم يعترفون بأنه عمل بالغ الجمال، وإن كانوا غالبًا ما ينجذبون إلى فخامته الداخلية المضيئة بالشموع، ويغفلون عن روعة مشاهده الخارجية. فمن زاوية رؤيتنا المعاصرة، يرسم "باري ليندون" مشهدًا من الريف الأوروبي خلال سبعينيات القرن العشرين بأسيجته الكثيفة وحقوله الشعثاء وطرقه الغائرة، وهو مشهد يمكن أن يعتقد المرء بسهولة أنه يعود لسبعينيات القرن الثامن عشر، على الرغم من أن معظم هذا المشهد قد اختفى الآن من الواقع.

 

### باري ليندون الشخصية الخالية من الزيف

 

يعلق الراوي، بصوت مايكل هوردرن، على بطل الفيلم الذي لا يتمتع بصفات البطولة التقليدية قائلًا: "كان لدى باري عيوبه". وهي عبارة مخففة إلى حد كبير. فريدموند باري (الذي سيصبح لاحقًا باري ليندون) هو محتال ومخادع، لص ومتنمر.

  •  رأى النقاد في ذلك الوقت أنه شخصية سطحية تفتقر إلى التعاطف، وألقوا باللوم على أداء رايان
  •  أونيل، معتبرين أنه لم يمنح الشخصية عمقًا كافيًا. لكن في حقيقة الأمر، هذا الحكم يغفل عن جوهر
  •  المسألة، لأن باري لا يحتاج أن يكون مركبًا. إنه شخصية بلا عمق لكنها خالية من الزيف أو الادعاء
  •  يتصرف بغريزة، كقطة، أنيق ومراوغ، يتنقل بين ريف إيرلندا وقصور إنجلترا بالابتسامة الغامضة
  •  الهادئة نفسها، لا تتبدل سواء كان صاعدًا أم ساقطًا، غنيًا أو معدمًا.


 

يصفه الناقد روجر إيبرت بأنه "رجل تحدث الأشياء لمصلحته"، ومع ذلك فحتى هذا الوصف لا يلامس الحقيقة تمامًا، لأنه يواجه كل ظرف مباشرة من دون تردد. وعند الحاجة يكون ملاكمًا أو مبارزًا، عشيقًا ونبيلاً. إنه لا يتهرب بل يواجه ويتعامل مع المواقف بذكاء، وغالبًا ما يحول الموقف لمصلحته. ولا أستطيع أن أتخيل أحدًا غير أونيل يجسد هذا الدور، فلقد تقمص باري إلى درجة يبدو فيها وكأنه لا يمثل على الإطلاق.

 

### فلسفة كوبريك في "باري ليندون"

 

ينسج فيلم كوبريك نبرته من خيوط بطله نفسه، فهو بارد ومتجرد من العاطفة وعديم التأمل في ذاته. يبدو أن تلك العبارة الشهيرة من مسلسل "ساينفيلد" Seinfeld "لا عناق، لا تعلّم" قد وُلدت أولاً في "باري ليندون". عادة ما يفضل الجمهور الأفلام التي تقدم شخصيات مرسومة بوضوح ومحاطة بحواجز أخلاقية صلبة، لكن فيلم كوبريك، على الرغم من مظهره النقي وجماله الشكلي المتقن، يخفي داخله عالمًا فوضويًا ومنفلتًا يكاد يكون عدميًا. فهو يوحي بأن البشر انتهازيون بطبعهم، لا طيبون ولا أشرار. قد لا تكون هذه رسالة مريحة تمامًا، لكنها تمنح الفيلم طابعًا غريبًا ومتوحشًا ومثيرًا بشدة.

 

### لماذا فشل "باري ليندون" في عصره؟

 

أتساءل الآن: هل كانت فخامته البصرية هي التي تسببت في فشله التجاري؟ لقد كان قدر "باري ليندون" أن يُعرض في ذروة عصر "هوليوود الجديدة" خلال السبعينيات، حين كانت الأفلام غير محكمة البناء وواقعية بدرجة بشعة، ونادرًا ما تنظر إلى الماضي.

  1.  وعندما وصل إلى جوائز الأوسكار عام 1976، إضافة إلى أفلام مثل "ناشفيل" Nashville،
  2. "ظهيرة يوم قائظ" Dog Day Afternoon، "الطيران فوق عش الواق واق" One Flew Over
  3.  the Cuckoo’s Nest و"الفك المفترس" Jaws، فإنه وجد نفسه في المكان والزمان الخاطئين.
  4.  ففشل الفيلم في شباك التذاكر الأميركي وحقق أداء أفضل قليلًا في أوروبا، وإن لم يُعتبر يومًا نجاحًا
  5.  جماهيريًا حقيقيًا.

 

شعر كوبريك بمرارة التجربة إلى حد دفعه نحو خوض مغامرة مضمونة العائد، فوافق على إخراج فيلم "البريق" The Shining، مستندًا إلى قناعته بأن فيلم رعب مبنيًا على رواية رائجة سيحقق في الأقل مكسبًا ماديًا.

 

### الخلود في الذاكرة السينمائية

 

لكن "باري ليندون" لم يدخل طي النسيان، بل بدأ يلعب لعبة طويلة المدى، فغموضه العميق لا يزال يستدعي المشاهدين للعودة إليه مرارًا. في استطلاع أجرته مجلة "سايت آند ساوند" Sight and Sound عام 2022 لأعظم الأفلام في التاريخ، حل "باري ليندون" في المرتبة الـ 45 في اختيارات النقاد، والمرتبة الـ 12 لدى المخرجين.

  •  أما مارتن سكورسيزي، فعلى الرغم من حبه لأفلام كوبريك الأكثر شهرة مثل "سبارتاكوس"
  •  Spartacus و"دكتور سترينجلوف" Dr. Strangellove و"أوديسا الفضاء: 2001" 2001: A
  •  Space Odyssey و"البريق"، فإن الفيلم الذي لا يتوقف عن الرجوع إليه هو "باري ليندون".

 فى الختام

من المؤسف القول إن ريدموند باري، ذلك الشاب المتواضع الأصل، لا يظفر بنهاية سعيدة، فيصعد بشق الأنفس على السلم الاجتماعي الزلق ليهوي من جديد إلى القاع. لكن حكاية كوبريك القاسية لا تقتصر على صعود وسقوط الرجل، بل تظهر لنا أن الفيلم نفسه فعل العكس تمامًا، فلقد تجاوز بطله ونجا من مخرجه واستمر في النضوج والتوغل في الذاكرة السينمائية. إنه الناجي الأعظم في تاريخ الفن السابع، يزداد ثراء وجموحًا مع مرور كل عام.

 

تعرض النسخة المرممة بدقة عالية من فيلم "باري ليندون" في صالات السينما البريطانية، لتقدم فرصة جديدة للجمهور لاكتشاف هذه التحفة الخالدة.

## "باري ليندون": تحفة ستانلي كوبريك الخالدة تعود لتكتشف مجدها بعد نصف قرن


author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent